كلمة البروفيسور محمود شريف بسيوني
لكم يشرفني أن قرر منتدى القانون الجنائي والإنساني الدولي أن يعلن عن إنشاء جائزة محمود شريف بسيوني للعدالة، ويسعدني أن أوضح الأسباب التي دعتني لقبول طلب المنتدى الكريم بإطلاق اسمي على تلك الجائزة.
إنني أرى أن المنتدى قد غدا منبرا سيجتمع من خلاله الحائزون على الجائزة ليكونوا بمثابة نماذج قائمة يحتذي بها صغار المهنيين في مجال العدالة الدولية. وبينما أستحضر في مخيلتي هذا الجمع من الشخصيات المتميزة، فإنني أتمنى أن يتسم بخصال خمس.
أولا، لكي نخدم العدالة الدولية بكفاءة، لا بد من فهم آليات عمل القانون والعدالة الدوليين، فالدراسة والبحث والخطاب في القانون الدولي لبنات بناء أساسية، كما أن الحصول على المعرفة من واقع الحياة بعد ذلك أمر لا يقل أهمية عن ذلك، حيث يمكن لشبكة الإنترنت وسائر وسائل التكنولوجيا الحديثة أن تدفع النشاط الأكاديمي للأمام وتسهم في نشر الدراسات الأكاديمية في مجال القانون بطرق تعزز إتاحة اطلاع الجميع على المعرفة المتعلقة بمجال القانون الدولي وتوسع نطاق مجتمع المهتمين به. إنني أرى أن إنشاء المنتدى لدار توركل أوبسال الأكاديمية للنشر الإلكتروني Torkel Opsahl Academic EPublisher يضرب مثلاً يستحق أن يحتذي به الآخرون. وأعتقد أن توركل أوبسال -رحمه الله- الذي كان زميلي في لجنة الخبراء ليوغوسلافيا السابقة التي شكلها مجلس الأمن كان ليسعد كثيرا بهذه الدار التي تحمل اسمه.
ثانيا، ينبغي أن تكون الخدمة العامة بمثابة قاسم مشترك يجمع الفائزين بالجائزة في المستقبل؛ فالعدالة تقيمها مؤسسات عامة، إذ إن محققي الشرطة والادعاء والقضاة وغيرهم ممن يسهمون في إقامة العدالة يؤدون في الأصل خدمة عامة، ولئن كانوا لا يحصلون على دخول كبيرة مقارنةً بالمحامين في كبرى مكاتب المحاماة أو غيرهم من العاملين في القطاع الخاص، وقد لا يتمتعون بالمكانة نفسها التي يتمتع بها أولئك، فهم يؤدون دورا محوريا في سبيل تحقيق العدالة حول العالم مثلهم في ذلك مثل المهنيين المفعمين بالحيوية العاملين في المنظمات غير الحكومية.
ثالثا، لا يكفي أن تكون قانونيا دوليا بارزا أو أن تشغل منصبا مرموقا. فبغير النزاهة والشجاعة قد لا يؤتي عملنا ثماره المرجوة. وتقتضي النزاهة أن نلتزم بالقانون -وإن أغضب ذوي النفوذ والمناصب- وأن نضع مصلحة القانون ومصلحة المهمة التي نؤديها في مرتبة أعلى من مصالحنا الشخصية، وأن نجعل الثقة جزءا من سلوكنا الشخصي. فمن دون النزاهة لا يكون لعملنا أثر يذكر، ومن دون الشجاعة لا نقوى على أن ننطق بالحق أو نتصرف بما تمليه علينا ضمائرنا في الوقت الذي لا يجرؤ فيه الآخرون على ذلك.
رابعا، ينبغي أن تتنوع خلفيات الفائزين بهذه الجائزة في المستقبل، وقد يساعد السفر وتعلم اللغات والقراءة على تطوير الإحساس بالتنوع بل بالترابط بين دول العالم وشعوبه. غير أن هذا ليس شرطا ولا امتيازا متاحا للجميع؛ فقد كتب إيمانويل كانط في كتابه «نحو سلام دائم» يقول: إن الشعور بالمواطنة العالمية يمثل أحد الأركان اللازمة لتحقيق السلام العالمي الدائم، وقد عاش هو نفسه طوال حياته في مدينته كونيغسبيرغ ولم يغادرها قط. فالرؤية العالمية حالة عقلية قد تتشكل في المدارس الابتدائية الريفية في كل مكان في العالم، كما قد تتشكل في كلية الحقوق في جامعة يال مثلاً. ومن هنا تأتي أهمية الاعتراف بأن البشر سواسية كأسنان المشط وأن القانون الدولي ينبغي أن يخدم المصالح المشروعة لكافة الدول والشعوب.
وأخيرا، ينبغي أن يُكمل المعرفةَ والنزاهةَ والرؤيةَ العالميةَ الشاملةَ إحساسُ قويُ بالاحتياجات العملية للمجتمع، وينطبق هذا بصفة خاصة على الأكاديميين كما ينطبق على القائمين بالخدمة العامة والمشتغلين بمجال المجتمع المدني. ومن خلال فهم الاحتياجات الاجتماعية ذات الصلة، يمكن لعملنا أن يُوجه نحو ما هو أساسي ومهم، فالقانون الدولي لا يعني سوى بالاحتياجات والمصالح في نهاية المطاف، ومن يع ذلك جيداً، يلمع نجمه في النشاط الخدمي الذي يؤديه.