كلمة البروفيسورة هيتومي تاكيمورا
أتشرف بمساهمتي في المجلد الثالث من كتاب «الأصول التاريخية للقانون الجنائي الدولي». لقد كان تقصي الحقائق بشأن الصراعات المسلحة والفترات التي تعقبها عملاً أثار الكثير من المناقشات؛ فعلى سبيل المثال كان هناك اعتراض بعض البلدان على بعض ما اختارته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) مؤخرا ضمن ذاكرة التراث العالمي حول قيمتها التاريخية، ولذلك فإن مشروعًا مثل «الأصول التاريخية للقانون الجنائي الدولي» يعد مشروعًا بحثيًا مهمًا لتعزيز التفاهم المتبادل وتوضيح وجهات النظر التاريخية بشأن الصراعات المسلحة بشكل خاص وتحديدًا فيما يخص الحربين العالميتين، فهل ساهم تبني فكرة المسؤولية الفردية عن الجرائم الدولية في تعزيز المصالحة بين الشعوب بإلقاء اللوم على الأفراد بدلا من تجريم البلد المعني ومعاقبته؟ وإذا كان الأمر كذلك، وإذا كان هناك إقبال من الباحثين القانونيين على مشروع الأصول التاريخية للقانون الجنائي الدولي، فلماذا لا يدعم المجتمع الدولي فكرة الفردية بتحمل المسؤولية بدلًا من وصم بلد في بعض الأحيان أو لعن التاريخ في أحيان أخرى؟
وعلى الرغم من أن ذلك يبدو وكأنه مجرد اختلاف دلالي، فيمكن أن تكون الذكرى موضوعًا شخصيًا إضافةً إلى تحمل مسؤولية ارتكاب الجرائم الشنيعة. فإذا حاولت منظمة دولية الاعتراف بحدث تاريخي متنازع عليه بوصفه جزءا من التراث، تصبح تلك الذكرى فجأة مسألة عامة ويمكن أن تسبب معارضة قوية من بعض البلدان.
ويتناول الفصل الذي كتبته الدفع بصدور أوامر عليا، وهي مسألة غالبًا ما كانت مشكلة تناقش في القانون الجنائي الدولي. ومع ذلك، يبدو أن النقاش قد وصل إلى نتيجة على الأقل في مجال الاختصاص الجنائي الدولي؛ حيث انتهت الدائرة الابتدائية بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة إلى وجوب امتناع الأفراد، بموجب القانون الدولي، عن إطاعة الأوامر الصريحة في عدم مشروعيتها، علاوة على وضع قيود في القانون الجنائي الدولي على الدفع بصدور أوامر عليا. واليوم يتضح لنا أن نظام روما الأساسي قد أقر هذا الرأي المُقيّد للدفع بصدور أوامر عليا، وهو ما يسمى «مبدأ الانعدام الصريح للمشروعية».
بل شهدت الفترة الأخيرة، في ظل إقرار القانون الجنائي الدولي بالمسؤولية الجنائية الفردية، وفرضه على الفرد واجب عدم إطاعة الأوامر الصريحة في عدم مشروعيتها، تنامي مطالب الاعتراض الضميري الانتقائي؛ فمسألة المعترضين ضميريا بصورة انتقائية الذي يعارضون صراعا مسلحا معينا، مثل الصراع المسلح الذي لا يحظى بدعم دولي، كان أيضًا سمة أساسية من سمات نهاية الحرب الباردة واختفاء الحروب التقليدية بين الدول.
وقد ظهرت ممارسات الدول إزاء حق الفرد في رفض المشاركة في الحروب منعدمة المشروعية صراحةً وقضية واجب الدولة في حماية مواطنيها من المشاركة في حرب منعدمة المشروعية صراحةً بموجب القانون الدولي. وهذه الممارسات قد تؤيد العلاقة الرأسية الآخذة في الظهور بين الأفراد وواجباتهم المنصوص عليها في القانون الدولي من خلال إبراز أهمية كرامة الإنسان بوصفها مسألة إلزامية جوهرية للدول.
لقد بات المجتمع الدولي يتمحور على نحو متزايد حول الأفراد، ولهذا، فإن ثمة علاقة رأسية آخذه في الظهور بين المجتمع الدولي والأفراد؛ حيث يختبر المجتمع الدولي بشكل عام، أو الهيئات المنشأة بموجب معاهدات حقوق الإنسان بشكل خاص مسألة سيادة الدول باستمرار وبحرص شديد من خلال عدسات القانون الجنائي الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وغدت تصرفات الأفراد واضحة وضوحا متزايدا حتى في مجال القانون الدولي، في حين كانت في العادة أن تستتر بغطاء سيادة الدولة. إن الدفع بصدور أوامر عليا يعلم البشر درسًا محوريًا مفاده ضرورة تعزيز قدرة الفرد على التفكير بنفسه في قضايا معقدة من قضايا القانون الدولي كمشروعية استخدام القوة.
أشكركم جزيل الشكر وأهنئكم على هذا الحدث التاريخي المتمثل في نشر سلسلة مجلدات كتاب «الأصول التاريخية للقانون الجنائي الدولي».