كلمة السفير ناريندر سينغ
أود أن أشيد بالجهود المخلصة والدؤوبة التي يبذلها البروفيسور مورتن بيرغسمو وفريقه للتخطيط للحلقتين الدراسيتين اللتين تتناولا موضوع «الأصول التاريخية للقانون الجنائي الدولي» ولجمعهم الأوراق البحثية التي قدمت في الحلقتين اللتين عقدتا في هونغ كونغ (آذار/مارس 2014)، وفي نيودلهي (تشرين الثاني/نوفمبر 2014) في المجلدات من 1-4 من ذلك المنشور، كما أود أن أثني على مركز بحوث وسياسات القانون الدولي (CILRAP) لدعمه هذا المشروع بالغ الفائدة.
وقد حضر الحلقتين الدراسيتين لفيف من الضيوف من جميع أنحاء العالم ومن مختلف القارات، حيث تنوع الخلفيات والخبرات، فمنهم القضاة وأعضاء النيابة العاملون في مختلف المحاكم والهيئات القضائية الدولية والإقليمية، وخبراء حقوق الإنسان، والمسؤولون في المنظمات الحكومية الدولية، إضافة إلى خبراء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر وأكاديميين من بينهم كبار الأساتذة والباحثين.
تمثل الأوراق البحثية المقدمة في هاتين الحلقتين الدراسيتين مصدرًا غنيًا للمعلومات من مجموعة واسعة من المصادر بشأن الطريقة التي شكلت القانون الجنائي الدولي في الماضي وكيفية تطوره. وفي هذا الصدد، أود أن أشير بإيجاز إلى مساهمة لجنة القانون الدولي في تطوير القانون الجنائي الدولي.
المحكمة الجنائية الدولية
لعلي أشير هنا إلى أن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يستند إلى مشروع النظام الأساسي الذي وضعت صيغته النهائية لجنة القانون الدولي في عام 1994؛ فمنذ البداية المبكرة ومع الدورة الثانية عام 1950، انتهت لجنة القانون الدولي، استجابةً لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة الوارد في سياق اتفاقية الإبادة الجماعية، إلى أن إنشاء جهاز قضائي دولي لمحاكمة المتهمين بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أو جرائم أخرى مشابهة أمر مطلوب وممكن على حد سواء.
وفي أثناء انعقاد الدورة الرابعة والأربعين للجنة القانون الدولي في عام 1992، اقترحت الجنة أن تكون المحكمة المقرر إنشاؤها هيئة للدول الأطراف في نظامها الأساسي، وهو ما يجعل من الممكن أن تبدأ في ممارسة عملها متى تطلب الأمر وفور ذلك، ومن غير الواجب أيضا، على الأقل في بداية عملها، أن تتمتع بالاختصاص الملزم، ولا تكون هيئة دائمة تعمل بشكل كامل. وفي الجمعية العامة أكد بلدي الهند أنه من أجل أن تكون المحكمة وقضاتها مستقلين بالفعل في أداء عملهم، فيجب أن تكون المحكمة هيئة دائمة تعمل بشكل كامل.
وفي وقت حديثنا هذا (تشرين الثاني/نوفمبر 2015)، كان على جدول أعمال لجنة القانون الدولي موضوعان متعلقان بالقانون الجنائي الدولي: الأول، حصانة مسؤولي الدولة من الاختصاص القضائي الجنائي الأجنبي، والثاني، الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية. حصانة مسؤولي الدولة من الاختصاص القضائي الجنائي الأجنبي
تضع لجنة القانون الدولي نصب أعينها أن هناك حاجة حقيقية وفورية لتقنين هذا الموضوع نظرا إلى محاولات الدول ممارسة الاختصاص القضائي العالمي وغيره من أنواع الاختصاص القضائي الجنائي الداخلي الأخرى، بما في ذلك الاختصاص القضائي خارج أراضيها، وذلك في سياق الجهود المبذولة لمكافحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والأعمال الإرهابية والجرائم العابرة للحدود وغسل الأموال ولعي أشير كذلك إلى أن ثمة عددًا من الاتفاقيات الدولية تتناول حصانات فئات معينة من مسؤولي الدولة من الاختصاص القضائي الجنائي الأجنبي، مثل تلك الاتفاقيات التي تتناول شأن الدبلوماسيين وممثلي الدول الأعضاء أو موظفي المنظمات الدولية، غير أن المصدر الرئيسي للقانون الدولي فيما يتعلق بحصانة مسؤولي الدولة من الاختصاص القضائي الجنائي الأجنبي هو العرف الدولي، وبالتالي يعتبر موضوعًا مناسبًا للتقنين.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن الموضوع قيد نظر لجنة القانون الدولي يتعلق بحصانة مسؤولي الدولة من الولاية القضائية الجنائية لدولة أخرى، ولا يؤثر بأي شكل من الأشكال على الاختصاص الذي يجوز لأي محكمة دولية أو هيئة قضائية أن تمارسه على هؤلاء المسؤولين.
الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية
بدأت لجنة القانون الدولي دراسة هذا الموضوع في دورة عام 2015؛ فقد استقر في وجدان اللجنة أهمية إبرام اتفاقية عالمية تتناول الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية، فقد بدا هذا الموضوع كلبِنة رئيسية مفقودة في بناء الهيكل الحالي للقانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وهذه الاتفاقية من شأنها أن تعزز التعاون بين الدول في التحقيق مع مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وملاحقتهم قضائيا ومعاقبتهم، إذ إن وظيفة المحكمة الجنائية الدولية على تنظيم العلاقات بين المحكمة والدول الأطراف، لا بين بعض الدول الأطراف والبعض الآخر، وأن تعزز أيضا مبدأ التكامل، حيث إن من شأنها أن توطد التعاون الفعال بين الدول لمنع هذه الجرائم وملاحقة مرتكبيها قضائيًا، ومن شأنها كذلك أن تساعد على سد الفجوة في النظام القانوني الحالي، حيث تتطلب الاتفاقية سن قوانين وطنية تحظر ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وتعاقب مرتكبيها، وهذا ما لم تفعله الكثير من الدول حتى الآن.
أما الموضوعات الأخرى التي نظرت فيها لجنة القانون الدولي في مجال القانون الجنائي الدولي، فهي ما يلي:
• صياغة مبادئ نورمبرغ؛
• مشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها؛
• مسألة تعريف جريمة العدوان؛
• منع الجرائم التي ترتكب ضد الموظفين الدبلوماسيين وغيرهم من الأشخاص المتمتعين بالحماية الدولية ومعاقبة مرتكبيها.
• الالتزام بالتسليم أو المحاكمة.
وهذا يعد دليلًا على المساهمة القيمة للجنة القانون الدولي في تطوير القانون الجنائي الدولي. لكن قبل أن أختم كلمتي، مرة أخرى أود أن أهنئ البروفيسور بيرغسمو وفريقه على نجاحهم الباهر في تنظيم الحلقتين الدراسيتين، وجمع الأوراق البحثية التي قُدمت خلالهما، وأشكره أيضًا على منحي فرصة الحاضر بينكم اليوم في هذه المناسبة المهمة لإطلاق المجلدين 3 و4 من ذلك المنشور.