كلمة القاضي مارك بيرين دي بريشامبو
في أثناء الكتابة (نوفمبر 2015)، كانت المحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الخاصة للبنان هما المحكمتان الدوليتان الوحيدتان اللتان ليس لديهما قاعدة بيانات داخلية للسوابق القضائية (تحتوي على جميع القرارات العلنية والسرية). وتعتمد المحكمة الجنائية الدولية على التجربة الفردية لعدد قليل من الأفراد المخلصين إضافةً إلى ترتيبات خاصة، فالنظام الداخلي المسمى (TRIM)، يفتقر إلى أي عناصر عملية تشكل قاعدة بيانات للسوابق القضائية. أما الشكل الحالي لقاعدة بيانات الأدوات القانونية التابعة للمحكمة الجنائية الدولية بكل مزاياها، فلا تشمل الوثائق السرية. وعليه، فالمرجع الوحيد الذي يلبي الحاجة التي أصفها هو، على ما يبدو، الملخصات المشروحة للمحكمة الجنائية الدولية التي كانت مكتوبة باللغتين الإنجليزية والفرنسية حتى عام 2009 والجاهزة لتتحول إلى قاعدة بيانات، وهذا ما وصفه الدكتور سيريل لوتشي في عرض الشرائح.
لا توجد حاليًا أي خطة أو استراتيجية واضحة لمعالجة هذا الوضع داخل المحكمة الجنائية الدولية على الرغم من استمرار عملية التشاور. ولهذا، من المهم بصفة خاصة لمركز بحوث وسياسات القانون الدولي أن يأخذ بزمام القيادة في متابعة المبادرة الوحيدة الموجودة التي تتوافر لها مقومات البقاء وفي المحافظة عليها من أجل إكمالها وتحقيق الاستفادة الفعلية منها.
إن الحاجة إلى قاعدة بيانات للسوابق القضائية حاجة ملحة جدا في محكمة فتيّة لا تزال تُكوّن فقهها القضائي، وهذا ما يعجل بضرورة الاطلاع على فقهها برمته. أولا، لا يزال تنفيذ المحكمة الجنائية الدولية نظام روما الأساسي عملا جاريا في ظل مناقشات مستمرة تدور داخل أروقة دوائر المحكمة بشأن كيفية تفسير أحكامه وتطبيقه هو وغيره من الوثائق المنظمة لعمل المحكمة الجنائية الدولية. فالقضايا المنظورة متعددة وهناك تفسيرات مختلفة للأحكام الرئيسية، ولذلك فالإعلان الواضح والسريع عن الحالة القائمة للمناقشات، أمر لا غنى عنه في المحكمة، وهو غير متوافر حاليا بعد. ثانيا، إذا أرادت المحكمة الجنائية الدولية أن ترقى إلى مستوى مبدئها الإرشادي وهو التكاملية، والتأثير الإيجابي على المحاكم الوطنية وإلهامها في تعاملها مع الجرائم التي تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، فإنها تحتاج إلى تقديم خلاصة قراراتها الأولية، بحيث تكون وافية وميسرة وواضحة ويسهل الاطلاع عليها. فهذا من شأنه أن يسمح بتيسير التقارب الفقهي في جميع أنحاء العالم مع مراعاة التقاليد القانونية المختلفة. وهذا أمر مهم خاصة فيما يتعلق بتفسير الجرائم وأشكال المسؤولية، إذ يجب أن تكون المحكمة الجنائية الدولية في وضع يسمح لها بالتأثير الإيجابي على تفسير النظام الأساسي من جانب الهيئات القضائية الوطنية في هذين الموضوعين؛ فبدون قاعدة بيانات للسوابق القضائية، ستظل المحكمة الجنائية الدولية تفتقر إلى أداة داخلية وخارجية لا غنى عنها في عملها وبذلك تتنازل عن جانب رئيسي من جوانب دورها المتوقع في التواصل والتوعية.
وتضم قاعدة البيانات التي وضعها الدكتور لوتشي الأحكام الجنائية الدولية التي يمكن البحث عنها في وثائق المحكمة القانونية حسب الحكم المطلوب، وتسمح بسهولة التتبع بما يتيح للمستخدمين تحديد جوانب الاختلاف أو الاتفاق مع السوابق القضائية للمحكمة. وقد أكد قسم تكنولوجيا المعلومات في المحكمة أنها متوافقة مع القواعد الداخلية للمحكمة. ويبقي الآن العمل الشاق المتمثل في إدخال القرارات المتراكمة من عامي 2010 حتى 2015 في القاعدة في أقرب وقت ممكن.
وعلى ذلك، أرحب باعتزام مركز بحوث وسياسات القانون الدولي دمج ما يسمى بقاعدة بيانات لوتشي في مركز معلومات شبكة مصفوفة القضايا ودعم الاستمرار في تطويرها؛ فبتنفيذ هذه المهمة، نكون قد قدمنا للمحكمة عملا مفيدا لم يكن قلم المحكمة يضعه في حسبانه على ما يبدو. وهذا مثال ممتاز على كيفية تقديم الجهات الخارجية مساهمةً مهمةً في تطوير العدالة الجنائية الدولية.