كلمة المدعية العامة فاتو بنسودة
مساء الخير، أيها الأصدقاء والزملاء. أشكر السيد سوبري على إتاحة هذه الفرصة لإبداء بعض الملاحظات في هذه الفعالية الجانبية المهمة.
ويؤسفني أن جدولي منعني من حضور النصف الأول من هذه الفعالية التي تضمنت الإعلان عن إصدار مجلدين جديدين في السلسلة الشاملة التي تحمل عنوان «الأصول التاريخية للقانون الجنائي الدولي». إن نطاق هذا المشروع وتنوعه يستحقان الإعجاب والتقدير. إنه يعمق فهمنا لمجال القانون الجنائي الدولي. إنه، باختصار، مساهمة كبيرة جديرة بالثناء والتقدير.
وتنشر الكتب التي أعلن عن إصدارها اليوم دار توركل أوبسال الأكاديمية للنشر الإلكتروني التي وهي الدار الرائدة في إتاحة دراسات القانون الجنائي الدولي والمجالات ذات الصلة به للجميع. ولهذا أشاطرها هذا الالتزام الأساسي جدا في نواح كثيرة، وذلك تحقيقا لأغراض ليس أقلها التوعية بهذا العلم المهم والمتطور.
لقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 من قبل في المادة 27 منه على أن لكل فرد الحق في «المساهمة في التقدم العلمي والاستفادة من نتائجه». تؤكد المقالات والتقارير الأخيرة –فضلا عن مؤتمر لاهاي للقانون الدولي الخاص- على أن المساواة في الفرص وإتاحتها ينبغي أن يمتد أيضا ليشمل المراجع القانونية.
ويجب أن تتاح بسهولة فرصة الاطلاع على القوانين والأحكام والقرارات التي سنتها وأصدرتها المؤسسات العامة باستخدام الأموال العامة. غير أن وظيفة القانون أولا وقبل كل شيء هي خدمة وظيفة اجتماعية مهمة.
إن عدم المساواة في الاطلاع على المراجع القانونية يؤدي إلى عدم المساواة بين ممارسي المهن القانونية والباحثين والطلاب. ولهذا الأمر أهمية كبيرة في مجال القانون الجنائي الدولي، وهو تخصص قانوني يسعى إلى إشعار ضحايا الجرائم الوحشية بالعدالة في المجتمعات التي قد تكون أقل تمتعا بالموارد المادية نتيجةً لصراع عنيف في أغلب الأحوال. فأولئك الذين يريدون اللجوء إلى القانون الجنائي الدولي ينبغي أن تتاح لهم فرصة الاطلاع الفوري على المراجع القانونية مجانا.
ولا يمكننا أن نتوقع بشكل معقول أنهم سيكونوا قادرين على العمل بكامل طاقتهم في تطبيق القانون الجنائي الدولي وتفسير أحكامه إلا عندما تتاح لهم بالفعل. فهناك، بعبارة أخرى، صلة بين الاطلاع على المراجع القانونية و القدرة على التحقيق في الجرائم الدولية الأساسية ومحاكمة المتهمين بارتكابها وإصدار الأحكام عليهم. ويمكننا من خلال تحسين سبل الاطلاع على المراجع القانونية، أن نعزز القدرات في مجال العدالة الجنائية. بل إن هذه الإمكانية يمكن أن تسهم أيضا إلى حد كبير في زيادة الوعي المتنامي بهذا التخصص القانوني، ومن ثم تقديم مزيد من الدعم للعدالة الجنائية الدولية بشكل عام.
وفي ضوء هذا، بدأ مكتبي مشروع أدوات القانونية في عام 2003 ولا يزال ملتزما به منذ ذلك الحين. وخلال هذه السنوات الاثنتي عشرة، يشهد المشروع كل عام نموا في عدد المراجع القانونية المتاحة في قاعدة بيانات المحكمة الجنائية الدولية. وينسحب الأمر ذاته على استخدام قاعدة البيانات. ومن المثير للإعجاب حقا تسجيل 2,643,299 زيارة لقاعدة البيانات ما بين 1 يناير و 16 نوفمبر عام 2015، واحتواء قاعدة البيانات الآن على أكثر من 100,000 مرجع قانوني.
ولم تغفل المحكمة الاعتراف بهذا النجاح، حيث يتضمن العديد من القرارات والوثائق الأساسية الصادرة عن مكتبي الآن روابط تشعبية تحيّل إلى قاعدة البيانات. وهذه الممارسة المتمثل في إضافة روابط تشعبية من شأنها أن تسرع إتاحة الاطلاع على المراجع قانونية.
فعلى سبيل المثال، قد يحتوي أحد الأحكام الصادرة عن المحكمة روابط تشعبية تحيل إلى عدة مئات من المراجع القانونية في قاعدة البيانات، وبهذا عندما يُوضع الحكم على الانترنت، فإنه يصبح مكتبة لمارسي المهن القانونية والباحثين والطلاب الذين لا يستطيعون الاستفادة من المكتبات التقليدية. ومن الأمور الإيجابية أن المحكمة تساهم بهذه الطريقة في نشر القانون الجنائي الدولي بشكل عام، وليس فقط سوابقه القضائية.
ويتولى تنسيق العمل في مشروع الأدوات القانونية البروفيسور مورتن بيرغسمو، الذي ابتكر فكرة المشروع في عام 2003، وتولى قيادته منذئذ، وتتولى مساعدته السيدة ما تشيلي، وفريق يضم 18 مؤسسة شريكة من جميع أنحاء العالم.
وأود أن أسجل تقديري للعمل المثير للإعجاب حقا الذي اضطلع به مورتن في هذا المشروع الكبير منذ يومه الأول. فقد كان المحرك الرئيسي وراء هذه المبادرة وقد تضمنت جهوده الدؤوبة تنفيذ هذه الرؤية المهمة على أرض الواقع. وما فتئ يرعىَ هذا المشروع حتى وصل إلى مرحلة النضج. ولهذا، أشكر مورتن مرة أخرى على هذه المساهمة المهمة.
وأعي أيضا أن ثمة دعما تقنيا مهما يقدمه إليا أتميلدايز ورالف هِكستِدْن وماثياس غيتش. أما مهام العثور على الوثائق وتحميلها في قاعدة البيانات، وتسجيل بيانات البحث عن كل وثيقة -وهي مهام تستغرق وقتا طويلا- فيتولاها متطوعون يعملون لدى المؤسسات الشريكة. وهم جزء من فريق متنوع ومخلص، ينتشر أعضاؤه في كل القارات.
ومن واجبنا أن نعرب عن تقديرنا لجميع أعضاء فريق الأدوات القانونية على العمل الذي قاموا به ويقومون به في هذا المشروع. ذلك أنهم يعملون للصالح العام.
لقد بلغني أن أحد أعضاء فريق مشروع الأدوات القانونية قدم مساهمة قوية جدا في عام 2015، إنها السيدة ماتيّابا تشيندورى-تشينينغا من جامعة كيب تاون. دعونا تهنئتها على حصولها على لقب عضو فريق الأدوات القانونية لهذا العام. ونود أن نعرب عن امتناننا كذلك لمساهمات فِرَق جامعتي كيب تاون وكوازولو ناتال.
ومن الجدير بالذكر أن مشروع الأدوات القانونية للمحكمة الجنائية الدولية لا يُمّول من ميزانية المحكمة؛ ومن ثم لا تستنزف ميزانيتها. ولهذا، أود أن أثنيّ على ما لدى الجهات المانحة من رؤية طويلة الأجل، ولا سيما الاتحاد الأوروبي وفنلندا والدانمرك والنرويج. وتشير إحصاءات قاعدة بيانات الأدوات القانونية المثيرة للإعجاب إلى صواب رؤيتها.
والآن، اسمح لي سيدي الرئيس بأن أختم ملاحظاتي عن طريق التشجيع على استمرار الدعم المقدم إلى مشروع الأدوات القانونية التابع للمحكمة الجنائية الدولية. فهو مشروع مفتوح في خدمة إتاحة المراجع للجميع وخدمة قضية العدالة الجنائية الدولية ككل. شكرا لكم.