كان الهدف من محاضرة وحلقة دراسية لي هاوبي لعام 2012 تناول موضوع «السيادة والمسؤولية الجنائية الفردية عن أشد الجرائم الدولية خطورةً» الذي ذاعت صياغته على نطاق واسع من أكثر من منظور أكاديمي مختلف ولا سيما من منظور رجال القانون الدولي الصينيين. إذ يبدو أن العديد من أعضاء حركة العدالة الجنائية الدولية الآن يعتقدون أن سيادة الدول تحتل بكل تأكيد المكانة الثانية بعد مبدأ وممارسة المسؤولية الجنائية الفردية عن أشد الجرائم الدولية خطورةً. والصحيح أن نلاحظ أن الهيئتين الجنائيتين الدوليتين (أو المدولتين) الخاصيتن القائميتن بالفعل (أي المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا) يتمتعان بأساس قانوني يستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ويستطيع قضاتهما إصدار أوامر ملزمة إلى الدول وقد قاموا بذلك بالفعل. وعند إجراء تحقيقات قانونية على أراضي الدول، لم تسع دوائر الادعاء التابعة لهاتين المحكمتين إلى الحصول بصفتها تلك على تصريحات من الدول المعنية. وقد وفرت هذه الميزة الخاصة المهمة المميزة لعدالة الجنائية الدولية المعاصرة للمحققين والمدعين في هاتين المحكمتين السلطة، وربما الجراءة لبعضهم، وكذلك أعطتها لغيرهم من جماعات الضغط في العدالة الجنائية الدولية في دعواتهم إلى فردية المساءلة عن أشد الجرائم الدولية خطورةً على الصعيدين الدولي أو الوطني.
غير أن جميع تلك الهيئات القضائية بما فيها المحكمتان ستختفي من الوجود كهيئات جنائية دولية فاعلة خلال سنوات قليلة. ولن يتمكن سوى هيئة قضائية جنائية دائمة وحيدة -أي المحكمة الجنائية الدولية- من الاستناد في الأوامر والأحكام الصادرة عنها وأحكامه إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على النحو المتبع حاليا. حيث يعتمد تنفيذ عمله اعتمادا كليا من الناحيتين الفعلية والقانونية على الدول ذاتها. ويضاف إلى ذلك أن الأعضاء الثلاثة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة -وهم الصين روسيا والولايات المتحدة- من ضمن عدد من الدول القوية التي ليست عضوا في نظام المحكمة الجنائية الدولية. فرغم أن مجلس الأمن قد أنشأ المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا تنفيذا للصلاحيات التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة، فلا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية -سوى في حالات نادرة- أن تعتمد على مجلس الأمن، بل لا تبلغ درجة الاعتماد الحد المطلوب.
وفي ضوء هذه الخلفية العامة، صممت محاضرة وحلقة لي هاوبي الدراسية لعام 2012 لتتناول العلاقة المتوترة بين السيادة والمسؤولية الجنائية الفردية عن أشد الجرائم الدولية خطورةً على ثلاثة محاور محددة. أولها: عندما تجرم الأدلة المتعلقة ب أشد الجرائم الدولية خطورةً مسؤولي الدولة وتظهر مطالبات بإجراء تحقيق جنائي، سيستمر التعبير عن القلق المتعلق بحصانة الدولة. أو ينبغي، بالتبعية، أن تُعالج مسألة حصانة مسؤولي الدولة ضد الاختصاص القضائي الجنائي عن أشد الجرائم الدولية خطورةً بشيء من التفصيل. وثانيها: سينقل انتهاء الاختصاص القضائي الجنائي الدولي الخاص على الأرجح المزيد من الاهتمام إلى ممارسة اختصاص قضائي جنائي وطني على أشد الجرائم الدولية خطورةً، وهو ما سيشمل ممارسة الاختصاص القضائي من دول لم تتأثر تأثرا مباشرا بالجرائم المذكورة. ويثير هذا الأمر مسائل متصلة بنطاق الاختصاص القضائي العالمي عن هذه الجرائم. وثالثها: إن التعديلات التي أدخلت على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المؤتمر الاستعراضي لنظام روما الأساسي عام 2010 فيما يتعلق بجريمة العدوان قد تُمكّن المحكمة الجنائية الدولية في مرحلة من المراحل من التحقيق في هذه الجرائم ومحاكمة مرتكبيها. كيف يؤثر هذا الأمر على الدول الأعضاء وغير الأعضاء التي لا توافق على هذه التعديلات؟ هل يمكن أن يؤدي تفعيل هذه التعديلات على جريمة العدوان وأعمال المحكمة الجنائية الدولية إلى تفاقم التضارب بين سيادة الدول والمساءلة؟
تنشر الأبحاث المعدة للحلقة الدراسية باللغتين الصينية والإنكليزية في سلسلة منشورات منتدى FICHL.