يتميز نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بميزات تجعله أكثر تقدما من الأطر القانونية لغيره من الهيئات الجنائية الدوليّة الأخرى فيما يتعلق بمشاركة الضحايا في الإجراءات وتعويضهم. وقد اهتم بهذه السمات التي تتمتع بها المحكمة الجنائية الدولية كثير من الدول والمجتمع المدنيّة فضلا عن الأكاديميين. كما يحظى الدور الذي يضطلع به الصندوق الاستئماني للضحايا التابع للمحكمة الجنائية الدولية بالأهمية ذاتها نظرا إلى طول الوقت اللازم لإدانة مرتكبي الجرائم وتعويض الضحايا. فإعطاء الضحايا دور في عملية العدالة الجنائية يرسخ فكرة تحقيق العدالة للضحايا ويعطيها مزيدا من الوضوح. كما أن فكرة تعويض الضحايا في حد ذاتها تمنح العدالة مزيدا من التوازن والثبات. أما الهدف من مشاركة الضحايا وتعويضهم فيرميان في المقام الأول إلى التصدي للآثار السلبيّة الناجمة عن الأخطاء السابقة.
غير أنّ المشاركة في الدعاوى الجنائية ليس لها سوى تأثير ضئيل -إن كانت لها ثمة تأثير- على إعادة إدماج الضحايا في المجتمع. حتّى أنها قد تمثل، في بعض الأحيان، عائقاً في مواجهة إعادة إدماجهم، أو قد تؤدي إلى نقلهم أو استمرار تشردهم. وقد يساعد التعويض الضحايا في عملية الانتقال التي تستلزمها إعادة إدماجهم في المجتمع، غير أن تلك المساعدة تظل مساعدة ضئيلة ومحدودة. حيث تشمل إعادة إدماجهم في المجتمع ما هو أكثر من ذلك؛ إذ تنطوي على عدة أمور منها عودتهم إلى العمل أو إلى الدراسة، وإعادة نشاط الإسكان، وتعافي الهياكل الأسرية، ومشاركة المجتمع المدني، والإدماج الاجتماعي. فهي عملية لها بعد اجتماعي-نفسي مهم. وبالتالي يلاحظ أن إعادة إدماجهم في المجتمع تتطلب إعادة الأمور إلى طبيعتها في حياة الضحايا على كافة المستويات لا مجرد تحقيق مشاركتهم ومساعدتهم وتعويضهم، وهي لذلك عملية أكثر تعقيداً وصعوبة.
وقد أتاحت الذكرى السنوية العاشرة لدخول النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيز النفاذ في الأول من يوليو فرصة مهمة للنظر في الأنظمة التقدّميّة أتاحها النظام لتحقيق مشاركة الضحايا ومساعدتهم وتعويضهم. لذا ينبغي للدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية وأصدقاء المحكمة أن يتجاوزوا تهنئة أنفسهم بتلك الذكرى وأن يركزوا على الأعمال التي لم تُنجز بعد. فالارتقاء بعملية إعادة إدماج ضحايا الجرائم الدوليّة الأساسية في المجتمع يشكل واحدة من التحديات الرئيسية. فقد حظي جزء ضئيل من قضية التعويضات بالنصيب الأكبر من العناية رغم أنه لا يشكل سوى جزء صغيرا من القضية. لكن إعادة إدماج الضحايا في المجتمع تتطلب نهجاً أوسع نطاقاً بكثير يركز على دراسة الضحايا أنفسهم.
تناولت هذه الحلقة الدراسيّة، التي نُظّمت بمساعدة وزارة الخارجية النرويجيّة، بعض من القضايا الأساسية التي تثيرها إعادة إدماج ضحايا الجرائم الدولية الأساسية في المجتمع. ما هي الحاجات الملموسة التي يتطلبها نجاح إعادة إدماج الضحايا؟ ما هي الحدود ذات الصلة التي تتضمنها الولاية الحالية للمحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بمشاركة الضحايا ومساعدتهم وتعويضهم؟ ما مدى مسؤولية المجتمع الدولي؟ هل هناك حاجة لسن قوانين ولوائح محلية لتعزيز إعادة إدماج ضحايا الجرائم الدولية الأساسية في المجتمع؟ كل هذه تحديات عامة تواجه الهيئات القضائية الجنائية الدولية والمحلية، بما في ذلك المشرعون ووزارات العدل والصحة والهجرة وكذلك، وخاصة على المستوى المحلي، والجهات الفاعلة في المجتمع المدني والأخصائيون الصحيون المعنيون بتلك القضية. وقد وجّهت الحلقة الدراسيّة الانتباه إلى أن ثمة رغبة دائمة لدى العديد من الضحايا الذين تأثروا بانتهاكات جسيمة للقانون الجنائي الدولي ألا وهي: مزيد من العودة إلى الحياة الطبيعية. وينبغي أن يعتبر جميع المهتمين بالعدالة الجنائية الانتقالية هذا الأمر شغلاً شاغلاً لهم.