المصالحة أم المساءلة: الموازنة بين مصالح السلام والعدالة

مع إنشاء لجنة الخبراء المعنية بيوغوسلافيا السابقة التابعة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر 1992 – في وقت كان المؤتمر المشترك بين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي المعني بيوغوسلافيا السابقة قد بدأ بالفعل في تنفيذ عملية السلام- بدا المسرح مهيئا للتجاذب في العلاقات بين مهام السلام الدولية والعدالة الجنائية أو المساءلة على الجرائم الدولية الأساسية. وتبلورت فكرة الاستقطاب عندما بدأت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في العمل في عام 1994. فمنذ ذلك الحين، بدأ الحديث يدور على نطاق واسع حول العلاقة بين السلام والعدالة الجنائية، مع شيوع فكرة مفادها أن كليهما لا يلتقيان.

أما عملية الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا –وأثرها المتوقع على الرأي العام العالمي بعد انهيار الفصل العنصري- فقد رحب بها بعض دعاة ’السلام مقابل العدالة‘ في الحديث الدائر حول السلام مقابل العدالة. فهل يجب، بلا شك، أن يرتقي السلام أو التسوية الانتقالية المقترنة بآلية جيدة التنظيم للحقيقة والمصالحة إلى مستوى التوقعات المعقولة للتحرك الحكومي إزاء الجرائم الشنيعة واسعة النطاق؟ ألا يلبي هذا المزيج الدعوات إلى المساءلة الجنائية، أو على الأقل يؤجل طرحها حتى يتوطد السلام؟

وقد أدى هذا الحديث المفرط حول آليات الحقيقة والمصالحة إلى إضافة مزيد من الاستقطاب للحديث الدائر حول السلام مقابل العدالة الجنائية، أي المصالحة مقابل العدالة الجنائية. يمكن أن تؤدي آليات الحقيقة والمصالحة كعملية جنوب أفريقيا –هكذا يقول هذا الرأي- إلى مصالحات في مجتمعات وقعت فيها جرائم دولية أساسية لم تؤد إليها العدالة الجنائية، أو على الأقل لم تؤد إليها بنفس الدرجة.

لكن هل هذا الانقسام بين المصالحة والعدالة الجنائية إزاء الجرائم الدولية الأساسية يعكس الواقع حقا؟ أو هل يمكن للعدالة الجنائية نفسها أن تساهم فعلا في المصالحة في الدول الإقليمية (التي وقعت فيها الجرائم) المتأثرة بالجرائم البشعة؟ وإذا كان الأمر كذلك/ فكيف يمكن لإجراءات العدالة الجنائية أن تساهم بأكبر درجة من درجات الفعالية في المصالحة أو الوحدة؟ هل ثمة عوامل أو مؤشرات على وجوب حدوث تلاقي بين الهيئات القضائية الجنائية كي تتمتع بهذا التأثير المجتمعي (كمشاركة الضحايا وتعويضهم، على قدم المساواة، أو إجراء المحاكمات في الدول الإقليمية، أو إجراءها فورا وبتكلفة معقولة)؟ هل الحديث الدائر حول الانقسام أو التجاذب بين المصالحة والعدالة الجنائية يخدم في تحقيق أي غرض حقيقي؟ بل هل هو تجاذب ’إيجابي‘؟ ما الأثر الذي ينبغي أن يلحق بالحديث الدائر حول العدالة الانتقالية إذا استطاعت العدالة الجنائية أن تساهم مساهمة حقيقة في تحقيق المصالحة؟ وقد تناول تلك القضايا سبعة خبراء من منظور هيئات قضائية جنائية دولية (أو مدوّلة) وهيئات وطنية ومن منظور أوسع نطاقا.

وفي نهاية الحلقة الدراسية، أعلن عن إنتاج آخر لمشروع مركز بحوث وسياسات القانون الدولي في ثوب جديد- إلا وهو مقتطفات ’المصلحة الذاتية للقوات المسلحة في المساءلة على الجرائم الدولية الأساسية‘ (الذي أعده مورتنبيرغسمو وسونغتيانينغ) وناقشه أندرو كيلي وأرن ويلي داهل. ويفتح الكتاب الباب أمام مناقشة السبب في أن المساءلة على الجرائم الدولية الأساسية يمكن أن تصب في مصلحة القوات المسلحة. ثم قدم ولفغانغ كاليك كتابه الجديد الذي يحمل عنوان ’المعايير المزدوجة: القانون الجنائي الدولي والغرب‘، دراسة قصيرة تتناول بالتقييم مشكلة الانتقائية في العدالة الجنائية الدولية. وختم مارك كليمبرغ الفعالية بإبداء ملحوظات على الدراسة الجديدة المطروحة على الإنترنت بعنوان ’تعليق على قانون المحكمة الجنائية الدولية: نظام روما الأساسي‘.