وسلو 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2010

المفهوم الذي تتناوله الحلقة وبرنامجها 

هناك فكرة سائدة في القانون الدولي الإنساني تقول إن الضرورة العسكرية تتعارض تعارضا جذريا مع الإنسانية. ولكن بمناسبة الذكرى الستين لتوقيع اتفاقيات جنيف العام الماضي، أكد العديد من الشُرَّاح من جديد وجهة النظر الشائعة التي مفادها أن القانون يؤدي دور التوفيق بين هذه الاعتبارات المتعارضة. وأكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤخرا أيضا أن انعدام ضرورة أي تصرف يجعله غير قانوني، حتى ولو كان غير مجرم بأي صورة أخرى بمقتضى القواعد المفترضة للقانون الدولي الإنساني.

واعترض المتحدث الرئيسي في هذه الحلقة الدراسية على كلتا الفكرتين. حيث قال إن الرأي الأول يبالغ في تبسيط التعقيد والفروق الدقيقة المحيطة بعمليات وضع قواعد للقانون الدولي الإنساني، بينما يمثل الرأي اللاحق ردة فعل مبالغة لمبدأ الضرورة العسكرية الذي فقد مصداقيته.

فليس صحيحا أن الضرورة العسكرية دائما ما تشجع على ارتكاب أفعال تلفظها الإنسانية وأنها تزدري احتياجات الإنسانية. بل على العكس، فنظرا إلى أن السلوك يمكن أن يكون فعالا وإنسانيا (مثل مكافحة المتمردين بطريقة تحقق تأييد المدنيين في المجتمع المحلي)، ويمكن أن يكون قاسيا ولا هدف له (مثل تدمير القدرات العقلية للمحتجزين في أثناء الاستجوابات العنيفة). فقواعد القانون الدولي الإنساني في هذه الأمور تمثل نقطة تلتقي فيها الاعتبارات العسكرية والإنسانية معا. فحتى في الحالات التي لا يمكن فيها التوفيق بينهما، لا تتخطى الضرورة العسكرية مقاومة تحريم السلوكيات التي تتفق معها وفرض السلوكيات التي لا تتفق معها، ولكن الإنسانية تسير في اتجاه فرض السلوكيات الإنسانية وتحريم السلوكيات غير الإنسانية. ولكن ما نحن بصدده الآن ليس نزاعا (مثال:"فلان يجب أن نفعل كذا" مقابل "فلان يجب ألا نفعل كذا") بل هو تعارض بينها (مثلا "فلان يجوز أن يفعل كذا" مقابل "فلان يجب أن يفعل كذا"). فعند وجود أي تعارض، تتفوق الضرورة العسكرية على الإنسانية أو العكس (مما ينتج عنه حريات أو واجبات غير مقيدة)؛ وقد يجري التوصل إلى حل وسط (ينتج عنه وضع قواعد رئيسية قد تلحق بها شروط تبيح بصورة استثنائية الخروج عن تلك القواعد بما يحقق المصلحة وفي حدودها)؛ ولا يمكن التوصل إلى حل وسط نهائي (وهو ما ينتج عنه عدم وضع قواعد أو وضع قواعد قد تحتمل تفسيرات مختلفة مما يجعل كلا الطرفين يجد ضالته فيها)؛ وهكذا. وهناك أيضا قواعد القانون الدولي الإنساني التي لا تنطوي على تداخل بين الضرورة العسكرية والإنسانية على الإطلاق.

وتجسد الضرورة العسكرية حقيقة بديهية ذات شقين، وهي أنه من المصلحة العسكرية غير الأخلاقية أن يؤدي المرء ما قد يفضي بالضرورة إلى تحقيق هدف شرعي في الحرب وأن يمتنع عن ما لا يؤدي إلى ذلك الهدف. وفيما يتعلق بتقنين القانون الدولي الإنساني، لا تجعل الضرورة العسكرية نفسها إتيان سلوك معين يتسق معها موضع إلزام. كما أنها - وهذا هو الأهم- لا تجعل الامتناع عن القيام بسلوك معين موضع إلزام. فمبدأ الضرورة العسكرية غير مقبول لأنه يهدف إلى تبرير كل ما هو ضروري عسكريا، حتى وإن كان شرا حظرته بالفعل قواعد القانون الدولي الإنساني السارية. ولكن لا يوجد أي أساس نستطيع أن نبني عليه سيناريو يفترض أن كل ما هو غير ضروري عسكريا ينبغي أن يكون غير قانوني حتى ولو كان ذلك من الأخطاء غير المضرة التي لا تتصادم مع أي قاعدة صحيحة من قواعد القانون الدولي الإنساني. (ومن أمثلة ذلك: النفقات العسكرية الباهظة، والأخطاء الفادحة والخسائر التكتيكية الذاتية إلخ التي تقف الإنسانية حيالها مكتوفة الأيدي).أي ببساطة، على الرغم من أن ضرورة أي شر أو عدم ضرورته قد تكون من ضمن العوامل الشرعية أو غير الشرعية المقيدة، فإن ضرورة أي تصرف أو عدم ضرورته لا تعتبر من ضمن العوامل الشرعية أو غير الشرعية المقيدة له.