كلمة لينغ يان بمناسبة طرح كتاب سيادة الدول والقانون الجنائي الدولي
مساء الخير أيها الحضور الكريم.
كثير منكم يعلم أن الصين لم تصدق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ولكننا نعلم أن الصين تدعم العدالة الجنائية الدولية منذ عام 1945 حين قام كل من القاضي مي رواو مع قضاء عشرة آخرين بالمحكمة العسكرية الدولية في طوكيو بمحاكمة الأشخاص الأكثر تورطا في الجرائم المخلة بالسلم والجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبت في بلدان الشرق الأقصى ومنها الصين خلال الحرب العالمية الثانية. كما حُوكم بين عامي 1945 و1947 أكثر من 2000 مجرم حرب ياباني في محاكم محلية في عشر مدن في الصين من بينها نانجنغ وشنغهاي وغوانزو إلخ. وجرت محاكمات أخرى لخمس وأربعين من بين 1,062 ياباني مشتبه في كونهم قد ارتكبوا جرائم حرب في شنيانغ وتايوان في عام 1956. وقد أدينوا بارتكاب تلك الجرائم وحُكم عليهم بالسجن من ثماني سنوات إلى عشرين سنة.
وعندما ارتكبت جرائم شنيعة أرّقت ضمير الإنسانية في يوغوسلافيا السابقة عام 1991، صوتت الصين لصالح إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في عام 1993. ومنذ ذلك الحين، يوجد قاض صيني في الدائرة الابتدائية في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أو الدائرة الاستئنافية في كل من المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا.
وعلى الرغم من عدم انضمام الصين إلى المحكمة الجنائية الدولية، فقد شاركت في عمليات التفاوض التي أفضت إلى صياغة نظام روما الأساسي وقدمت مقترحات ذات قيمة. وقد شاركت الصين بوصفها عضوا مراقبا في جمعية الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية والمؤتمر الاستعراضي لنظام روما الأساسي. ناهيك عن تعديل الصين لقانون الإجراءات الجنائية مؤخرا كي يتوافق مع المعايير الدولية في العدالة الجنائية. فعلى سبيل المثال، تنص التعديلات على التزام السلطات بحماية حقوق الدفاع وغيرها من الحقوق الإجرائية التي يتمتع بها المشتبه فيهم والمتهمون جنائيا وغيرهم من الأطراف المشاركة في الإجراءات الجنائية (المادة 14). كما نصت التعديلات على عدم الاعتداد بالاعترافات التي تنتزع من المشتبه فيهم أو المتهمين تحت وطأة التعذيب أو بأي طريقة غير قانونية أخرى فضلا عن عدم الاعتداد بشهادة الشهود أو المجني عليهم التي تُنتزع تحت وطأة العنف أو التهديد أو غيرهما من الطرق غير القانونية. (المادة 54). ونصت أيضا على التزام السلطات باتخاذ جميع الإجراءات والتدابير اللازمة لحماية الشهود أو الخبراء المحددين الهوية أو المجني عليهم أو أقاربهم المقربين في بعض الإجراءات الجنائية (المادة 62). وبالتالي ومع التقدم الذي أحرز في العدالة الجنائية الدولية، ترتقي الصين بمعايير العدالة الجنائية المحلية التي يستفيد منها المواطن الصيني.
وعلاوة على ذلك، لم يتوان الباحثون الصينيون عن إجراء البحوث في القانون الجنائي الدولي. وقد أسست مراكز بحوث لدراسة القانون الجنائي الدولي في بعض الجامعات ومنها جامعة الصين للعلوم السياسية والقانون التي أعمل فيها. وقد عقدت مسابقة محاكمات المحكمة الجنائية الدولية باللغة الصينية مرتين وجار عقدها للمرة الثالثة. وتعقد في الصين كل عام ندوات وحلقات دراسية وطنية تتناول موضوعات القانون الجنائي الدولي. كما نشرت عدة مقالات وكتب حول القانون الجنائي الدولي. ولكن للأسف، تنشر معظم المنشورات باللغة الصينية وبالتالي لا يتمكّن كثير من غير الصينيين من الاطلاع عليها. وهذا هو السبب في أن كثيرا من الأفكار والرؤى التي يحملها الباحثون الصينيون نادرا ما يتعرف عليها العالم الخارجي.
واليوم يسعدنا ويشرفنا أن نقدم كتاب "سيادة الدول والقانون الجنائي الدولي" باللغتين الإنجليزية والصينية. حيث شارك مؤلفون صينيون في كتابة سبعة فصول من فصوله العشرة، وقد كتبت في الأساس لمحاضرة لي هاوبي وحلقته الدراسية. وهذا هو الكتاب الأول من نوعه الذي يتيح طرح الرؤى والأفكار التي يحملها الباحثون الصينيون على القانونيين الجنائيين الدوليين. أتمنى أن تسعدوا بقراءتها ونعدكم بمواصلة السير على هذا الدرب.
وأخيرا، أود أن أشكر البروفيسور مورتن بيرغسمو على فكرته الجديدة الرائعة المتمثلة في عقد سلسلة محاضرة لي هاوبي وحلقاته الدراسية في الصين وغيرها من البلدان بغية الترويج للقانون الجنائي الدولي والعدالة الجنائية الدولية عالميا.
وشكرا لحسن استماعكم